امتحنوا كل شيء تمسَّكوا بالحسن

امتحنوا كل شيء تمسَّكوا بالحسن

اسكندر جديد


List of Tables

1.
2.
3.

Bibliography

امتحنوا كل شيء تمسَّكوا بالحسن. إسكندر جديد. الطبعة الأولى . 1978. English title: Test Everything, But Hold On to the Good!. German title: Prüfet alles, aber das Gute behaltet.

امتحنوا كل شيء تمسَّكوا بالحسن

هذه الآية هي دعوة دار الهداية، وآلة الامتحان. هي كلمة الله، بدليل قول الكتاب المقدس: «إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!» (إشعياء 8: 20).

أيها الصديق الكريم،

جاء في أول رسالتك: «هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى ٱللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي» (سورة يوسف 12: 108). وهذه الكلمة جعلتني لأول وهلة أخمن أنك صاحب طريقة ومن الذين يعملون بقول القرآن: «وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (سورة العنكبوت 29: 46).

ولكن ما ان قرأت الأبيات الشعرية ابتداءً بالقول: «عجباً بالمسيح بين النصارى»، حتى منيت بخيبة، لأن معظم المسلمين الذين اتصلوا بنا اجترّوا الآيات عينها، مثلها عندهم كالآية القرآنية القائلة: «مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» (سورة النساء 4: 157).

فعملاً بالمحبة التي تتأنى وترفق التي يعتمدها المسيحي الحقيقي في نصرة الحق، أتقدم إليك بما يلي:

الصليب في الإنجيل والقرآن

قال رسول الجهاد العظيم بولس: «لأَنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ» (1 كورنثوس 1: 22 - 24).

وقال أيضاً: «وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ ٱلْكَلاَمِ أَوِ ٱلْحِكْمَةِ مُنَادِياً لَكُمْ بِشَهَادَةِ ٱللّٰهِ، لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً» (1 كورنثوس 2: 1 - 2).

وإذا ما تأملنا في شهادات رسل المسيح، الذين رافقوه وعرفوه كوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً، ومن ملئه أخذوا نعمة فوق نعمة، نرى أن الإنجيل الذي أخذوا من ملئه وبشروا به منذ فجر المسيحية، وقبِله الناس وبه خلصوا، إنما كان الخبر السار الذي أوجزه الرسول بولس بهذه العبارات الصريحة إذ قال: «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ بِٱلإِنْجِيلِ ٱلَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضاً تَخْلُصُونَ... فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (1 كورنثوس 15: 1 - 4).

وقال الرسول يوحنا: «فَإِنَّ ٱلْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَ ٱلآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا» (1 يوحنا 1: 2 - 3). هذا كقوله في الإنجيل «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا 1: 14).

وقال الرسول بطرس لليهود: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱسْمَعُوا هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ: يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ ٱللّٰهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا ٱللّٰهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ. هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال الرسل 2: 22 - 23).

شهادات الأنبياء

جاء في الأسفار المقدسة نبوات كثيرة عن أحداث تقترن بموت المسيح على الصليب وقد تمت كلها بالحرف:

- يُباع بثلاثين من الفضة ويشرى بثمنه حقل يدعى «حقل الفخاري» (زكريا 11: 13)

- يُسمَّر من يديه ورجليه (على خشبة الصليب) (مزمور 22: 16 - 17)

- يُثخن بالجراح (إشعياء 53: 5)

- يُجلد بالسياط (مزمور 129: 3)

- يتقبَّل آلامه بصمت (إشعياء 53: 7)

- يُضرب ويبصق في وجهه (إشعياء 53: 3، 4، 8)

- يُستهزأ به (مزمور 22: 6 - 8)

- يُسقى خلاً (مزمور 69: 21)

- يقتسم الجند ثيابه بالقرعة (مزمور 22: 18)

- يُطعن بحربة (زكريا 12: 10)

- يموت بين لصين ويُدفن في قبور الأغنياء (إشعياء 53: 9).

إعلانات المسيح

في مناسبات عديدة، صرّح يسوع المسيح لتلاميذه بأن رسالته الخلاصية تستلزم موته على الصليب. وقد دُوِّن هذا التصريح في الإنجيل بحسب متّى 17: 21، مرقس 8: 31، لوقا 9: 22، ويوحنا 3: 14 - 15.

قيامة المسيح

في اليوم الثالث لصلبه حدثت آية الآيات، فالمسيح قام. ويخبرنا متى أنه: «عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ ٱلأُخْرَى لِتَنْظُرَا ٱلْقَبْرَ (قبر يسوع). وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ ٱلرَّبِّ نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ عَنِ ٱلْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَٱلْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَٱلثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ٱرْتَعَدَ ٱلْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ. فَقَالَ ٱلْمَلاَكُ لِلْمَرْأَتَيْنِ: لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ ٱلْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ هٰهُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ» (متى 28: 1 - 6).

شهادة التاريخ

إنّ موت المسيح على الصليب مؤيد بالوثائق التاريخية، التي كتبها المؤرخون القدماء من وثنيين ويهود منهم:

تاسيتوس الوثني: سنة 55 ميلادية، فهذا المؤرخ كتب في مؤلفاته فصولاً ضافية عن صلب يسوع وما تحمَّل من آلام.

يوسيفوس اليهودي: فهذا المؤرخ الذي وُلد بعد الصلب بسنوات قليلة، كتب تاريخ أُمَّته في عشرين مجلداً، وقد كتب في أحد مؤلفاته بياناً عن صلب المسيح بأمر من بيلاطس البنطي.

لوسيان اليوناني سنة 100 ميلادية. وهذا العالم المؤرخ، قد كتب عن المسيح والمسيحيين. وأبرز ما جاء في قوله: «أن المسيحيين ما زالوا يعبدون ذلك الرجل العظيم الذي صُلب في فلسطين، لأنه أدخل إلى العالم ديانة جديدة».

شهادة شعار الصليب

هذا دليل مادي لا يستطيع أحد أن ينكره. لأن إشارة الصليب منذ أقدم عهود المسيحية، قد نقشها المسيحيون الأوائل على أضرحة الموتى، وفي السراديب التي كانوا يجتمعون فيها زمن الاضطهاد.

شهادة التلمود اليهودي

من المعروف أنَّ التلمود كتاب مقدس لدى اليهود. ففي النسخة التي نُشرت عام 1943، جاء في الصفحة 42: «لقد صُلب يسوع قبل عيد الفصح بيوم، لأنه ساحر وقصده أن يخدع إسرائيل ويضلهم».

شهادة التواتر

في ممارسة المسيحيين فريضة العشاء الرباني، التي تذكرهم بموت المسيح على الصليب شهادة حية على مرور الزمن أن المسيح مات مصلوباً.

الصليب في الإسلام

حين نتأمل في نصوص القرآن يتضح لنا أنَّ هذا الكتاب إن كان حسب الظاهر ينفي الصلب عن المسيح، فهو لم ينف موته قبل ارتفاعه إلى السماء. والواضح أن القرآن يحتوي على ثلاثة نصوص تؤكد موته بكلمة وفاة أو موت، ونصين يؤكدان موته قتلاً.

  1. «وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» (سورة مريم 19: 33).

  2. «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا» (سورة آل عمران 3: 55).

  3. «وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ... فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» (سورة المائدة 5: 116 - 117).

  4. «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ» (سورة البقرة 2: 87).

  5. «قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (سورة آل عمران 3: 183).

آراء مفسري القرآن

قال الإمام البيضاوي: «إن رهطاً من اليهود سبّوا المسيح وأمه فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير. فاجتمعت اليهود على قتله، فأخبره الله تعالى بأنه يرفعه. فقال المسيح لأصحابه: أيكم يرضى أن يُلقى عليه شبهي فيُقتل ويُصلب؟ فقام رجل منهم فقُتل وصُلب».

وقيل إن اليهود لما اعتقلوا عيسى أقاموا عليه حارساً. لكن عيسى رُفع إلى السماء بأعجوبة، وأَلقى الله شبهه على الحارس. فأُخذ وصُلب، وهو يصرخ: أنا لست بعيسى.

وقيل: نافق أحد تابعي عيسى - يهوذا - وجاء مع اليهود فلما دخل معهم ليدلهم عليه، ألقى الله شبه عيسى عليه، فأُخذ وقُتل وصُلب (تفسير البيضاوي 2: 127 - 128).

وجاء في كتاب جامع البيان للإمام أبو جعفر الطبري عدة روايات منها: قال وهب بن منبه: أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين إلى بيت، فأحاط اليهود بهم. فلما دخلوا صوَّر الله جميع من في البيت على صورة عيسى. فقال اليهود: لقد سحرتمونا لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً. وكان عيسى قد سأل حوارييه من منكم يشتري الجنة؟ فقال رجل منهم أنا، فقُتل وصُلب.

وروايات أخرى من هذا النوع، جاءت في تفاسير السنوي وابن كثير، والجلالان والزمخشري، لا يتسع المجال لذكرها كلها.

ولكن قبل إقفال البحث أرى لزاماً أن أختم بشهادة الإمام فخر الدين الرازي الذي فنَّد قصة الشبه تفنيداً محكماً. ففي تفسيره لقول القرآن في الآية 55 من سورة آل عمران: «يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ» عالج مسألة الشبه بكل موضوعية، قال:

من مباحث هذه الآية موضع مشكل أنَّ نص القرآن دل على أنه تعالى حين رفع عيسى ألقى شبهه على غيره. «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» (سورة النساء 4: 157). فالأخبار واردة بذلك إلا أن الروايات اختلفت. فتارة يُروى أنَّ الله تعالى ألقى شبهه على بعض الأعداء الذين دلوا اليهود على مكانه، حتى قتلوه وصلبوه. وتارة يُروى أنه رغَّب بعض خواص أصحابه في أن يلقي شبهه عليه حتى يقتل مكانه. وبالجملة فكيفما كان في إلقاء شبهه على الغير إشكالات:

الإشكال الأول: إننا لو جوَّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر، لزم السفسطة. فإني إذا رأيت ولدي ثم رأيته ثانياً فحينئذ أجوّز أن يكون هذا الذي رأيته ثانياً ليس بولدي بل هو إنسان أُلقي شبهه عليه، وحينئذ يرتفع الإحساس عن المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمد يأمرهم وينهاهم، وجب أن لا يعرفوا أنه محمد، لاحتمال أنه أُلقي شبهه على غيره. وذلك يفضي على سقوط الشرائع. وأيضاً فحذار الأمر في الأخبار المتواترة على أن يكون المخبر الأول إنما أُخبر عن المحسوس. فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولى. وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.

الإشكال الثاني: وهو أن الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام بأن يكون معه في أكثر الأحوال. هكذا قال معظم المفسرين في تفسير قوله: «إذ أيدتك بروح القدس». ثم أنَّ طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم من البشر، فكيف لم يكف في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً أنه عليه السلام لما كان قادراً على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه بالسوء وعلى أسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم، حتى يصيروا عاجزين عن التعرض له؟

الإشكال الثالث: إنه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء، فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره. وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟

الإشكال الرابع: إنه إذا أُلقي شبهه على غيره ثم أنه رُفع بعد ذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنه هو عيسى، مع أنه ما كان عيسى. فهذا إلقاء لهم في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى.

الإشكال الخامس: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح عليه السلام وغلوهم في أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً. فلو أنكرنا ذلك كان طعناً في ما ثبت بالتواتر. والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد ونبوة عيسى بل في وجودهما ووجود سائر الأنبياء، وكل ذلك باطل.

الإشكال السادس: ثبت بالتواتر أن المصلوب بقي حياً زماناً طويلاً. فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره لأظهر الجزع وقال: إني لست بعيسى، بل إنما أنا غيره. ولبالغ في تعريف هذا المعنى. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من هذا، علمنا أن الأمر على غير ما ذكرتم (التفسير الكبير 12: 99).

مثيرو الحرب

تقول في رسالتك «لم يسد الدمار العالم إلا بعد أن ظهر السلاح بيد مسيحييّ الغرب». هذا الادعاء يرده التاريخ وترفضه الحقيقة، لأن تاريخ الحروب والدمار يعود إلى ما قبل المسيحية بآلاف السنين وهذا أمر واضح لا يستطيع أحد إنكاره.

وقبل أن أبدي أي رأي في الموضوع، وجدت أنَّ الأمر يستوجب بعض المقارنات بين نزعة كل من المسيحية والإسلام إلى الحرب وذلك في ما يأتي:

في المسيحية:

يخبرنا الإنجيل أن المسيح لما سمع بمقتل يوحنا المعمدان، انصرف إلى الجليل وترك الناصرة، وأتى وسكن في كفرناحوم. «وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ ٱلْجَلِيلِ... وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي ٱلشَّعْبِ... فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ ٱلسُّقَمَاءِ ٱلْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَٱلْمَجَانِينَ وَٱلْمَصْرُوعِينَ وَٱلْمَفْلُوجِينَ، فَشَفَاهُمْ» (متّى 4: 23، 24).

ولما رأى «يسوع» الجموع صعد إلى الجبل وعلمهم، قائلاً: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِٱلرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَٱلْعِطَاشِ إِلَى ٱلْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللّٰهَ. طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ ٱلْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ».

«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ ٱلأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ».

«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ».

«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ».

«وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ ٱلّزِنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي».

«أَيْضاً سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا ٱلْبَتَّةَ، لاَ بِٱلسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ ٱللّٰهِ، وَلاَ بِٱلأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ. وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذٰلِكَ فَهُوَ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ».

«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ ٱلأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ ٱلآخَرَ أَيْضاً. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَٱتْرُكْ لَهُ ٱلرِّدَاءَ أَيْضاً. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِداً فَٱذْهَبْ مَعَهُ ٱثْنَيْنِ».

«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ» (متّى 5: 1 - 7: 28).

في الإسلام:

يخبرنا التاريخ أنَّ عمر بن الخطاب هو واضع نظام الدولة الإسلامي. وفي وضعه النظام، تابع السير على نهج النظرية السياسية المتمثلة بالنقاط التالية:

  1. دين الدولة الإسلام. فقد قال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب الزهري. قال: أوصى رسول الله قبل موته أن لا يُترك دينان في جزيرة العرب (سيرة النبي لابن هشام جزء 3 صفحة 813).

  2. يبقى العرب في خارج جزيرة العرب من المجاهدين، أي جماعة دينية عسكرية.

  3. القرآن مليء بالآيات التي تجيز الحرب وتحرض على القتال منها:

«يَا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا» (سورة الأنفال 8: 65).

«قَاتِلُوا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا ٱلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» (سورة التوبة 9: 29).

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ» (سورة البقرة 2: 193).

«وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (سورة آل عمران 3: 169).

«فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ» (سورة آل عمران 3: 195).

«يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (سورة البقرة 2: 217).

«يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوا أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ» (سورة التوبة 9: 123).

«وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» (سورة النساء 4: 89).

المسيحية والحروب

لعل السيد علوي اعتنق المسيحية الأصلية كما علمها المسيح ورسله الموحى إليهم. ويعيشها عدد عديد من الكنائس. لأن ليس كل من يحمل اسم المسيح هو مسيحي. وقد أشار المسيح نفسه إلى ذلك بقوله: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، يَدْخُلُ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. بَلِ ٱلَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى 7: 21).

وإنّه لمن المؤسف أن يكون المسيحيون الإسميون هم الأكثرية في العالم.

وتمييزاً لهم عن المسيحيين الحقيقيين قال المسيح: «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ ٱلشَّوْكِ عِنَباً، أَوْ مِنَ ٱلْحَسَكِ تِيناً؟» (متّى 7: 16). فهذا المقياس الذي وضعه المسيح يجب أن يُقاس عليه كل تعليم. وفي الواقع أنّ الناس لا يستدلون على حسن الشجرة بورقها، أو بزهرها بل بثمرها.

في حكمته وضع المسيح أهمَّ شرعة عرفتها البشرية منذ نشأت، للتفاهم والتعايش السلمي، إذ قال: «فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلنَّامُوسُ وَٱلأَنْبِيَاءُ» (متّى 7: 12). وسُمِّيت هذه الآية بالقاعدة الذهبية. ويقيناً أنه لو تعامل الناس بموجبها لتحقق السلام على الأرض، ولتمَّ قول إشعياء النبي: «فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ ٱلْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ» (إشعياء 2: 4).

قيل إن أحدهم جاء إلى الربوني اليهودي شمعي يسأله أن يعلّمه الناموس في أثناء وقوفه على رِجْل واحدة، فطرده من حضرته بقساوة. ولكن حين ذهب إلى الربوني هليّل يسأله السؤال عينه، أجابه: إنَّ الناموس هو أن لا تفعل بالآخرين ما لا تريدهم أن يفعلوه بك. ولكن هذا التصريح جاء في صورة سلبية أما تعليم المسيح فجاء في صورة إيجابية.

أما بما يختص بالحروب الصليبية، التي شحنت نفسك بالغيظ لتثيرها اتهامات بأن المسيحية هي المسؤولة عن إضرام تلك الحروب، فمردودة جملة وتفصيلاً، لأن مثيريها كانت غايتهم التوسع، وأكبر دليل على عدم مسيحيتهم هو أنهم في ذهابهم إلى المشرق نهبوا الكنائس الأرثوذكسية.

الإسلام والحروب

يقول المؤرخون إن المسلمين ما أن استقر لهم المقام بالمدينة بعد أشهر قليلة من الهجرة حتى بدأ حنانهم إلى مكة يتزايد. ويذهب أكثر المؤرخين إلى القول إنهم فكروا وفكر محمد على رأسهم في الانتقام من قريش لأنفسهم، وإنما منعهم من إشعال نار الحرب انشغالهم في إعداد مساكنهم وتنظيم وسائل معاشهم.

وتأيد هذا القول حين بدأوا بتشكيل كتائب عسكرية أطلقوا عليها اسم «سرايا». وأول سرية من هذا النوع نظمها محمد وأقام عليها عمه حمزة بن عبد المطلب وكان عدد أفرادها ثلاثين راكباً من المهاجرين أُرسلوا إلى شاطئ البحر ناحية عيص، حيث لاقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثماية راكب من قريش. وكان حمزة على أهبة مقاتلة قريش، إلى أن حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعاً بين الفريقين، فاستطاع أن يصرف القوم عن القتال.

روى ابن هشام عن زياد بن أيلة البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي أنه قال: وكان جميع ما غزا رسول الله ما يزيد على سبع وعشرين غزوة منها:

غزوة ودان، وهي غزوة الابداء

غزوة بواط من ناحية رضوى

غزوة العشيرة من بطن ينبع

غزوة بدر الكبرى، التي قُتل فيها صناديد قريش

غزوة بني سليم، حتى بلغ الكدر

غزوة السويق يطلب أبا سفيان بن حرب

غزوة غطفان وهي غزوة أمر

غزوة بني النضير

غزوة الفرع من بحران

غزوة أُحد التي قُتل فيها صناديد المسلمين

غزوة ذات الرقاع من نخل

غزوة بدر الآخرة

غزوة دومة الجندل

غزوة الخندق

غزوة بني قريظة

غزوة بني لحيان

غزوة ذي قرد

غزوة بني المصطلق

غزوة الحديبية

غزوة خيبر

غزوة عمرة القضاء

غزوة الفتح

غزوة حنين

غزوة الطائف

غزوة تبوك

ويذكر ابن هشام أن محمداً قاتل في تسع من هذه الغزوات: بدر، أُحد، الخندق، قريظة، المصطلق، خيبر، الفتح، حنين، والطائف (السيرة النبوية لابن هشام الجزئين الثالث والرابع. مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1936).

حروب الردة

بعد وفاة محمد، ارتد عن الإسلام بعض القبائل في جنوبي شبه جزيرة العرب وشرقيها. فاقترح بعض الصحابة على الخليفة أبي بكر أن يوجه جميع الجيوش إلى قتال المرتدين. ولكن الخليفة أصرّ على إرسال جيش أسامة بن زيد لفتح الشام، وقد قال أبو بكر في هذه المناسبة: «لا أحل لواء عقده رسول الله».

ولكن الصحابة أَلفَّوا جيشاً آخر بقيادة خالد بن الوليد. فقد استطاع بقيادته البارعة أن يعيد القبائل في جنوبي شبه جزيرة العرب وأواسطها وشرقيها، وفي اليمن ونجد واليمامة، إلى طاعة الإسلام. وقد لُقب خالد يومئذ بسيف «الإسلام».

ثم أن روح الغزو في القبائل العربية التي جمعها الإسلام على الأخوَّة في الدين، وجب أن يجد وسائل حرب جديدة للتعبير عن نفسه. فقبل وفاة أبي بكر بعام، اتجهت جيوش الإسلام لتخوض حروب الفتوحات.

والآن أتركك مع التاريخ، لتجد أن الحروب رافقت الإسلام منذ فجره، وقد كانت الأداة في توسعه أرضاً وسكاناً.

اضطهاد الأقليات الإسلامية

جاء في صدر رسالتك: «كل أقلية مسلمة في بلاد مسيحية تُضطهد، وكل أقلية مسيحية تنال كل حقوقها». هذا حديث هراء يرده الواقع. ففي أميركا وأوروبا للأقلية الإسلامية كامل الحرية في إقامة شعائرها الدينية. ومنذ وقت قريب سمعت سلسلة من المحاضرات الدينية كانت تذاع من راديو صوت أميركا. وقد ذكر الشيخ المحاضر «ماهر حتحوت» نشاطات المسلمين في المراكز الدينية لنشر تعاليم الإسلام في الأوساط المسيحية. الشيء الوحيد الذي لا يسمح به القانون الأميركي هو تعدد الزوجات...

وفي لبنان، قبل أن تحرقه الحرب الأهلية التي أشعلها العرب، سمعت محاضرة ألقاها الأستاذ الشيخ طه رنولي، قال فيها إن الجالية العربية في ألمانيا الاتحادية، إذ لم يكن لهم بيت للعبادة لممارسة الشعائر الدينية بمناسبة عيد الأضحى، وضع المسيحيون كنيسة تحت تصرف المسلمين بهذه المناسبة. وهذا العمل الكريم لا يمكن للمسلمين أن يفعلوه، بدليل امتناع دولة إسلامية عربية عن السماح لجالية مسيحية أن تبني كنيسة على أراضيها.

أما عن قولك إن المسلمين في بريطانيا هم أكثر عدداً من اليهود، ومع ذلك ليسوا مُمَثلين في البرلمان، فسبب ذلك يعود إلى تكتل اليهود وتجمعهم حول رأي واحد. أما العرب المسلمون فقد حملوا إلى المهاجر الاختلافات القائمة في وطنهم الأم. والأسوأ في الأمر ان بعض الدول الإسلامية ترسل بعثات ليس لجمع الكلمة بل لاغتيال غير المجندين لسياسة حكام بلدهم الأم.

أما ما يختص بإسلام الفيلبين فالانتفاضة الإسلامية سياسية أكثر منها دينية

أما عن غسل الدماغ فسنؤكد لك أنه ليس عند المسيحيين شيء من هذا، ولكن عندنا دم يسوع المسيح الذي يطهر من كل خطية.

أما عن التقليل من فضل الأخ علوي الذي اعتنق المسيحية بحسب الإنجيل، فاسمح لي بأن ألفت نظرك إلى قول الشاعر المشهور ابن الوردي:

Table 1. 

لا يضر الفضل إقلال كمالا يضر الشمس إطباق الطفل    

وبالمناسبة دعني أسوق إليك قول الرسول بولس: «فَٱنْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءُ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ. لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءُ. لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءُ. بَلِ ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ جُهَّالَ ٱلْعَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلْحُكَمَاءَ، وَٱخْتَارَ ٱللّٰهُ ضُعَفَاءَ ٱلْعَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلأَقْوِيَاءَ، وَٱخْتَارَ ٱللّٰهُ أَدْنِيَاءَ ٱلْعَالَمِ وَٱلْمُزْدَرَى وَغَيْرَ ٱلْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ ٱلْمَوْجُودَ، لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ» (1 كورنثوس 1: 26 - 29).

بقي أن أوكد لك أن افتخارك بما سمَّيتهم علماء وقد انضموا إلى الإسلام، فلا يشكلون أية خسارة للمسيحية، وقد أشار الرسول يوحنا إلى أمثال هؤلاء إذ قال: «مِنَّا خَرَجُوا، لٰكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا» (1 يوحنا 2: 19).

الخطية

مهما حاولت بإلقاء الضباب حول الخطية وعدم وجودها في الإسلام، فللخطية شأن وأهمية كبرى في القرآن.

فقد ورد في القرآن طائفة من الكلمات تعبِّر عن الخطية منها:

الذنب، كقوله: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» (سورة الفتح 48: 1 - 2).

الوزر، كقوله: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ٱلَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» (سورة الشرح 94: 1 - 3).

الضلال، كقوله: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى» (سورة الضحى 93: 5 - 8).

الظلم، كقوله: «وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ» (سورة الشعراء 26: 10).

الإثم، كقوله: «وَذَرُوا ظَاهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ» (سورة الأنعام 6: 120).

الخطيئة، كقوله: «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً» (سورة النساء 4: 112).

بعد هذا دعني أقف عند قولك: «وأول ما يتبادر إلى الذهن أن القول عن الخطيئة والتمسك بضرورة الفداء من أجلها، أن ذلك نابع عن الكسل الوثني».

إن هذه العبارات إذا بُحثت في ضوء كلام الوحي، تبين أنها صادرة عن إنسان يريد ذر الغبار في الأعين لكي لا تبصر الحقيقة. فقد جاء في رسالة رومية 5: 12: «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ».

ويقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة تأثر بها، لأن الإنسان فيه مجموعة من الغرائز، التي وإن كانت لها غايات شريفة، فهي تحمل نزوات شريرة.

الخطية إرث

نفهم من الاختبارات أنه لا يمكن للكائن الحي أن يلد كائناً مغايراً له. فالثور لا يمكن أن يلد حملاً. وكما قال المسيح «لا يجنون من الشوك عنباً». وهذا القانون ينطبق على الإنسان، فآدم الذي توالد منه البشر عصى الله، فطرده من فردوس الطهر إلى أرض لُعنت بسبب خطيته. وعلى هذه الأرض أنجب نسلاً نظيره. وكان هذا النسل بالطبيعة مطروداً فاقداً ميراثه بالفردوس.

والكتاب المقدس يقر هذه الحقيقة إذ يقول بفم داود النبي: «هَئَنَذَا بِٱلإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور 51: 5).

وقال الوحي بفم بولس رسول الجهاد العظيم: «لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ ٱللّٰهَ. ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية 3: 10 - 12).

قال العالم الانجليزي هاكسلي: «لا أعلم أن هناك دراسة انتهت إلى نتيجة تعسة للنفس كدراسة تطور الإنسانية، فمن وراء ظلام التاريخ يتبين أن الإنسان خاضع لعنصر وُضع فيه يسيطر عليه بقوة هائلة. إنه فريسة واهنة عمياء لدوافع تقوده إلى الخراب وضحية لأوهام لا نهائية، جعلت كيانه العقلي هماً ثقيلاً وأفنت جسده بالهموم والمتاعب. ومنذ آلاف السنين لا يزال هو هو، يقاتل ويضطهد، ويعود ليبكي ضحاياه ويبني قبورهم».

وهل يحتاج أحد إلى هذه الشهادات الصارخة الآتية عبر التاريخ لكي يلمس هذه الحقيقة؟ ألا يكفي أن ينظر الإنسان إلى أعماق نفسه ويتحسس ميوله ونزواته، ليعلم أن ناموس الخطية ساكن فيه؟

أجل، إنَّ وجود الخطية في حياة كل إنسان أمر لا يجهله أحد، لأن فساد الطبيعة البشرية ظاهر للحس في عجز الإنسان عن حفظ الشريعة الأدبية من تلقاء نفسه، حتى في توبته الذاتية فهذه عرضة للانتكاس إن كانت لا تلقى معونة الله بالروح القدس.

ألق نظرة عابرة على تاريخ الخطية عبر الأجيال لكي تجد الدليل الحاسم على وجود نزعة الشر في الإنسان. وأول ما ظهرت هذه النزعة في الجريمة الأولى التي اقترفها قايين ابن آدم حين قتل أخاه هابيل.

- لقد حزّ في نفسي أسف شديد وأنا أقرأ كلامك المشوب بالتهكم على الخطية والكفارة، اللذين يعلّم الإنجيل بهما. إذ تقول: «إن ملخص ما يعتقده النصارى هو خرافة الخطية والصلب للتكفير». وكان الأحرى بك أن تسأل المسيحيين لشرح هذه الموضوع، وفقاً للوصية القرآنية إلى محمد القائلة: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُوا أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (سورة النحل 16: 43). وقد قال الجلالان في تفسير الآية: إن أهل الذكر هم العلماء بالتوراة والإنجيل.. إلى أن يقول: «أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ» (سورة الأنعام 6: 89 - 90).

إن موضوع الخطية والكفارة بالفداء موضوع خطير جداً وقبل الخوض في دقائقه، لا مندوحة لي من التمهيد بذكر الأحداث المهمة، التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس، منذ خلق الإنسان الأول. والتي عملت في تحريك محبة الله لأجل خلاص العالم.

أولاً: السقوط

يُعلّم الكتاب العزيز أنَّ الله خلق الإنسان على صورته كشبهه، وعاهده عهد الحياة، على شرط الطاعة الكاملة لوصاياه. يقول الكتاب المقدس: «فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ... وَأَخَذَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ آدَمَ قَائِلاً: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ» (تكوين 1: 27 - 28، 2: 15 - 17).

وعاش آدم ردحاً من الزمن في فردوس عدن بحالة من الطهر متمتعاً بشركة روحية مع الرب الإله. وهذه الشركة كانت تفعم قلب آدم بالسعادة.

كان آدم بسيطاً، وفي البساطة قرب من قلب الله. وكان كاملاً، وفي الكمال مسحة من روح الله.

وكان مؤمناً صدِّيقاً، والإيمان هو اليد التي تتناول بركات الله.

وكان باراً، وفي البِّر قبس من نور الله.

ومع كل الامتيازات الروحية، التي كانت لآدم فقد سمح الله بأن يُمتحن أبو البشرية. وكان هدف الامتحان: هل يحفظ آدم مكانه من الطاعة الولاء لله، الذي وهبه كل هذه الجمالات؟

وفي كلمة أخرى، كان قصد الله من امتحان أبي البشر أن يتعلم بأن هناك فاصلاً بين الحلال والحرام. وإنه لإثم أن يتعدى هذا الفاصل. وقد جعل هذا بأسلوب رمزي في ثمر الشجرة الممتنعة على آدم.

وظهرت سهولة الامتحان في التجربة التي جاءت من الشيطان. فهذا الماكر، تقدم من حواء في صورة ناصح تهمه مصلحة الأبوين الأولين، وقد بادرها بسؤال بسيط في ظاهره، ولكنه مبطن بالخداع قال: «أَحَقّاً قَالَ ٱللّٰهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ؟» (تكوين 3: 1). كان الاستفهام هنا للتعجب والانكار معاً، كأن الشرير يقول أعجب كل العجب، أن يكون الله قد قال ذلك.

أخذت حواء بالكلام الماكر الذي صاغه الشيطان، فغشاها من ضباب الشك في صلاح وصية الله.

- من ثمر شجر الجنة نأكل، قالت المرأة. وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا.

- «لَنْ تَمُوتَا! (قال الشرير) بَلِ ٱللّٰهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَٱللّٰهِ عَارِفَيْنِ ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ» (تكوين 3: 4 و5).

كان لكلام عدو الخير لون المنطق المقنع بأن الله لأجل منعها ورفيقها من مساواته في المعرفة، قيدهما بتحذير يبدو أنه غير صادق.

فاجتاح الشك قلب المرأة، ولم تلبث أن استجابت لغواية الشرير. وللمرة الأولى رأت حواء «أَنَّ ٱلشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ ٱلشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ» (تكون 3: 6 - 7).

وهكذا سقط الأبوان الأولان. سقطت المرأة لأنها شكّت في أمانة الله وصلاح وصيته. لقد ارتأت فوق ما ينبغي أن ترتئي، طمعت في أن تماثل الله في المعرفة وأشركت رجلها معها، فنقض عهده مع الله وتعدّى حدوده «والخطية هي التعدِّي» (1 يوحنا 3: 4).

ولما كانت أجرة الخطية هي موت (رومية 6: 23) وقع آدم وحواء تحت القصاص، وفقاً للإنذار الإلهي «يوم تأكل منها موتاً تموت». ومعنى الموت هنا ليس انحلال الجسد في القبر، بل هو موت النفس بخلودها في العذاب الأبدي.

وإذ سقط آدم أوقع نفسه تحت طائلة الحكم الذي لفظه الله، إذ قال: «مَلْعُونَةٌ ٱلأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِٱلتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ ٱلْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا» (تكوين 3: 17 - 19).

وبعد هذا الحكم طرده الرب الإله من جنة عدن مع امرأته، فهاما على وجهيهما يضربان في الأرض، وعلى الأرض أنجبا نسلاً، وبالطبع كان نسلهما مطروداً من الفردوس... جاء في الرسالة إلى رومية 5: 12 : «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ».

يقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً، وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة، تأثر بها وتسربت الخطية إليه. صحيح أن البيئة الفاسدة تساعد على نمو الخطية، ولكن الإنسان يولد وفيه مجموعة من الغرائز ومن بينها الانجذاب إلى صنع الشر.

ونفهم من التعليم الإلهي أن الله لم يقطع عهد الحياة مع آدم من أجل نفسه فقط، بل أيضاً من أجل نسله. ومن هنا كان آدم نائباً عن الجنس البشري كله، بدليل قول الكتاب: «لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ ٱلْجَمِيعُ هٰكَذَا فِي ٱلْمَسِيحِ سَيُحْيَا ٱلْجَمِيعُ» (1 كورنثوس 15: 22).

«فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ ٱلْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هٰكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ ٱلْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، لِتَبْرِيرِ ٱلْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلْوَاحِدِ جُعِلَ ٱلْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هٰكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ ٱلْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ ٱلْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً» (رومية 5: 18 و19).

- جواباً على تساؤلك: «ماذا تم في شأن الذين سبقوا المسيح من البشر، ومنهم رسل وأنبياء كرام على الله، لم يقبلوا ابن الله على عزم ضرورة قبوله. وهم كذلك لا يعترفون بالصليب؟».

إن الجواب يلزمنا العودة إلى ما قبل طرد آدم حيث جاء في سفر التكوين 3: 7 و8 «أما آدم وحواء لما أكلا من الثمر المنهي عنه «ٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ. وَسَمِعَا صَوْتَ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ مَاشِياً فِي ٱلْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ ٱلنَّهَارِ، فَٱخْتَبَأَ آدَمُ وَٱمْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ».

ونرى هنا أول عواقب الخطية: الخجل، وثانيها الخوف وثالثها الحكم. إذ يخبرنا الكتاب المقدس: «وَصَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ لآدَمَ وَٱمْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ» (تكوين 3: 21). وهذا يدل على أن حيوانات قد ذُبحت في الفردوس. ولم يتحقق أن الإنسان كان يتخذ لحوم البهائم طعاماً. ولم يكن طعامه في أثناء إقامته في الفردوس إلا البقول والأثمار وغيرها من الأطعمة النباتية. وقد ذكر الكتاب الموحى به من الله هذه الحقيقة إذ قال: «وَقَالَ ٱللّٰهُ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْراً عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْراً لَكُمْ يَكُونُ طَعَاماً» (تكوين 1: 29).

فتلك الجلود بحسب ثقات المفسرين، كانت من جلود البهائم التي كان آدم يقدمها في قرابينه.

ويخبرنا الكتاب المقدس أن الله أخرج آدم وامرأته من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها. وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة.

وخلاصة تعليم الكتاب المقدس أن الاتحاد النيابي بين آدم ونسله هو علة ما حلّ عليهم من الصعوبات التي حلت عليه.

أعود إلى القول إن آدم كان نائباً عن نسله، وإن الوعود التي أعطاها الله له كانت كذلك لنسله، وعندما صدر حكم الله عليه بالطرد من جنة عدن لحق ذلك الطرد نسله أيضاً، إذ ولدوا على الأرض التي لعنت بسببه وسلط الموت عليهم كما تسلط عليه. وكذلك أوجاع الولادة التي كتبت على حواء قصاصاً كتبت على كل بنت من بناتها. وقد أدرك الفيلسوف أبو العلاء المعري هذه الحقائق فقال:

Table 2. 

هذا جناه أبي عليّوما جنيت على أحد    

منذ ما يقرب من الألفي سنة ارتفعت هذه الصرخة الداوية من فم الرسول بولس: «وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ ٱلْخَطِيَّةِ. لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ... ٱلإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ ٱلْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ ٱلشَّرَّ ٱلَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱلسَّاكِنَةُ فِيَّ... فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ ٱللّٰهِ بِحَسَبِ ٱلإِنْسَانِ ٱلْبَاطِنِ. وَلٰكِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي» (رومية 7: 14 - 23).

أجرة الخطية

يقول الكتاب الإلهي: «لأَنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 6: 23) «يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ» (تكوين 2: 17). وقد مات آدم وحواء الموت الروحي. وفقدا الشركة الروحية الجميلة المقدسة مع خالقهما المحب ولم يعد لهما ذلك الشوق المقدس إلى المثول في حضرته. وما أرهب ذلك الحكم القائل: «يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ»(تكوين 2: 17). وحينما تذكر آدم ذلك الحكم اختبأ مع امرأته عن وجه الله، بسبب خطيته. هكذا قال الله في سفر إشعياء النبي: «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ» (إشعياء 59: 2).

يعلمنا الكتاب أن الله كامل في صفاته، ومن كمالاته العدل والصدق. وبما أن عدله وصدقه فعَّالان، حكم على تعدي الإنسان بالموت عقاباً. بيد أنه كما أن لله عدلاً وصدقاً فعَّالان، فله أيضاً محبة فعالة. محبة عجيبة، لا تعرف الحدود في الصفح والغفران، عبّر عنها بقوله: «مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَدَمْتُ لَكِ ٱلرَّحْمَةَ» (إرميا 31: 3). فهذه المحبة المتفاضلة جداً تدخلت لصالح الإنسان، إذ قال تعالى اسمه: «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11).

قال المحامي الذائع الصيت سير برنتس في ختام دفاعه عن أحد المتهمين: «قرأت في كتاب ما أن الله في مشورته الأزلية سأل العدالة والحق والمحبة، هل أخلق الإنسان؟ فأجابت العدالة: كلا، لأنه سيدوس جميع شرائعك وسننك ونظمك. وقال الحق: لا تصنعه، لأنه سيكون قبيحاً وسيسعى وراء الباطل، متكلماً بالكذب. حينئذ قالت المحبة، أنا أعلم أنه سيكون هكذا. ولكني رغم شر الإنسان وفساده سأتولى أمره وسأسير به خلال الطريق المظلمة إلى أن أتي به إليك».

لقد قلت سابقاً أن عهد الذبائح الكفارية رسم منذ أن كان الإنسان، وهي كلها ترمز إلى حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 1: 29). نتعلم من أسفار الوحي أن ذبيحة الدم التي قدمها هابيل، لم تكن إلا ظلاً للفداء وعملاً يتفق مع فكر الله، بل إنها من وحيه وإلهامه.

ونقرأ في الكتاب العزيز أنه حين نشفت مياه الطوفان خرج نوح ومن معه من الفلك. وأول عمل قام به هو بناء مذبح للرب وأصعد محرقات من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا (تكوين 8: 20 - 21).

وكذلك الكبش الذي أعطاه الله لإبراهيم ليصعده محرقة عوضاً عن ابنه (تكوين 22: 13) لم يكن إلا رمزاً للفداء العظيم الذي أعده الله بذبيحة المسيح العتيدة.

وأيضاً خروف الفصح الذي أمر الله شعب إسرائيل بذبحه ورش دمه على أعتاب البيوت العليا وقوائمها، لم يكن إلا رمزاً بارزاً لفصح العهد الجديد، الذي ذُبح فيه حمل الله بدليل قول الرسول بولس: «لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذاً لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ ٱلشَّرِّ وَٱلْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ ٱلإِخْلاَصِ وَٱلْحَقِّ» (1 كورنثوس 5: 7 - 8).

اختبارات شعب

لمس رجال الله في العهد القديم ضعف الإنسان وعدم كفاءة ناموس الفرائض لتطهير الخاطئ وتهدئة ضميره. وقد جاء في سفر العبرانيين أن القرابين والذبائح لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الإنسان (عبرانيين 9: 9). وفي كلمة أخرى أن الشريعة اللاوية في ما يتعلق بالذبائح لم تكن أكثر من ظل يشير لبركات العهد الجديد.

وقبلاً ارتفع صوت داود النبي إلى الله قائلاً: «لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى» (مزمور 51: 16).

وجاء في إشعياء قول الله: «لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هَذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي؟ لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. ٱلْبَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي» (إشعياء 1: 11 - 13).

وقال في عاموس النبي: «بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ، وَلَسْتُ أَلْتَذُّ بِٱعْتِكَافَاتِكُمْ. إِنِّي إِذَا قَدَّمْتُمْ لِي مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ لاَ أَرْتَضِي، وَذَبَائِحَ ٱلسَّلاَمَةِ مِنْ مُسَمَّنَاتِكُمْ لاَ أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. أَبْعِدْ عَنِّي ضَجَّةَ أَغَانِيكَ، وَنَغْمَةَ رَبَابِكَ لاَ أَسْمَعُ. وَلْيَجْرِ ٱلْحَقُّ كَٱلْمِيَاهِ وَٱلْبِرُّ كَنَهْرٍ دَائِمٍ» (عاموس 5: 21 - 24).

وخلاصة القول إننا حين نلقي نظرة متفحصة على تاريخ شعب إسرائيل، نجد أنهم كانوا بقيادة موسى ويشوع بن نون يرجعون إلى الله على أساس الذبيحة. وحين تصل إلى عهد الملوك، نجد أن الذبائح تشغل مركزها الممتاز. فهناك ترى ذبيحة المحرقة تقدم باستمرار، بحيث لا تطفأ نارها أبداً، وخصوصاً في عهد سليمان، حيث كانت تقدم ربوات القرابين، بحيث يمكننا القول إن تاريخ إسرائيل في طريق الطاعة قرابين وذبائح. ومع ذلك ما أشد النبرة التي وردت في سفر العبرانيين عن الفادي إذ قال: «ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلٰكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ: هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ ٱلْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللّٰهُ...يَنْزِعُ ٱلأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ ٱلثَّانِيَ» (عبرانيين 10: 5 - 9).

فالروح القدس يؤكد لنا صراحة أن الله ما كان ممكناً أن يكفر عن الخاطئ بمجرد تقديمه ذبيحة حيوانية لو لم تكن هذه رمزاً إلى ذبيحة.

«هَئَنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللّٰهُ» قال الكلمة المتجسد، أي أنه لما توقف الرب عن الرضا بالذبائح الحيوانية لأن قداسته تتطلب ذبيحة أفضل وإيفاء أعظم عن الخطية، حينئذ تقدم يسوع بذبيحة نفسه للتكفير عن خطايا الجنس البشري فصار القول: «فَبِهٰذِهِ ٱلْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (عبرانيين 10: 10).

والآن دعني أقف عند عدد من كلماتك التي تزعم أن في العقائد المسيحية كثيراً من التعاليم التي مصدرها وثني:

1 - ديانة ميتراس الفارسية. وحسب زعمك: أن هذه الديانة جاءت إلى روما سنة 70 قبل الميلاد. وملخص هذه الديانة أن ميتراس كان وسيطاً بين الله والبشر.

ولكن يا سيد هل فاتك أن تعلم أن كل الديانات الوثنية تعتقد بأن معبوداتها تقربها إلى الله. وإن كان الأمر هكذا، فأسألك أن تقرأ من القرآن الآية الثالثة من سورة الزمر حين يقول: «وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى» (سورة الزمر 39: 3).

2 - خرافة البعل. جاء في عدد من المعاجم التي قرأتها أن البعل إله كنعاني وهو زوج الإلهة بعلة، أو عسيرة أو عشتاروت. وكان إله المزارع ورب الخصب في الحقول وفي الحيوانات. وقد أُولع أهل المشرق جداً بعبادة البعل حتى أنهم كانوا يضحون الذبائح البشرية على مذابحه. وكانو يختارون الأماكن المرتفعة كالجبال والتلال ذات المناظر الجميلة فيبنون عليها الأبنية الفاخرة المزخرفة ويكرسونها لهذا الصنم العظيم عندهم.

ويخبرنا الكتاب المقدس أن البعل صار معثرة لبني إسرائيل فكسروا وصايا الله بإدخالهم البعل بواسطة إيزابيل امرأة أخآب الملك (1 ملوك 18: 17 - 40).

وبالاختصار أقول إن عبادة البعل كانت عمومية بين أهالي المشرق في ذلك الزمن، ولذلك ترى له أسماء عديدة، لأن كل أمة كانت تسميه باسم يُعرف به عند قومها. وكان كل اسم من أسمائه يبتدئ غالباً بكلمة بعل، وينتهي باسم ذلك البلد أو المدينة الموجودة هو فيها، أو بشيء يُنسب إليه نحوه.

- بعلزبوب، أي إله الذبان، وهو إله عقرون.

- بعل فغور وقد عرف في لبنان باسم إله الشمس وقد بنيت له في مدينة بعلبك عدة هياكل أكبرها وأفخمها هيكل الشمس الذي بناه اليونانيون وكان يُعدَّ من عجائب الدنيا السبع.

- بعل تامار، أي إله النخيل أو التمر. ولعل هذا الصنم المصنوع من تمر النخيل كان معبود قبيلة عربية اسمها حذيفة، وفي أحد السنين لم تعط أشجار النخيل عندهم ثماراً ولما عضهم الجوع أكلوا الصنم، فقال فيهم أحد الشعراء:

Table 3. 

أكلت حذيفة ربهازمن التقشف والمجاعة    
لم يحذروا من ربهمسوء العقوبة والتباعة    

- بعل جاد، أي معسكر البعل

- بعل حاصور، أي بعل الساعة

- بعل حرمون، أي بعل جبل حرمون

- بعلزبول، اسم كنعاني وهو إله الأقذار

- بعل بريت، اسم كنعاني وهو إله الأقذار

- بعل شليشة، ومعناه بعل الثلث

- بعل مراحيم، ومعناه بعل الانفجارات

- بعل هامون، ومعناه إله الجمهور

والآن نطلب إليك وإلى الإمام أبي زهرة، وأحمد شلبي، أن تفيدونا أيا من هؤلاء البعليم ترشحون لمريديكم إن حياته أغرت المسيحية بتطبيقها على حياة يسوع.

نحن نتمسك بيسوع التاريخ الذي شهد له القرآن.

بوذا والمسيح

- جاء في مزاعمك: «ثم هناك مقارنة بين بوذا والمسيح في اثنين وعشرين موضوعاً.. من ناحية المولد والأحداث المختلفة ولولا خوف الإطالة لنقلنا الكثير».

وأنا لم يكن في وسعي المرور بهذه الإشارة دون إجراء بعض المقارنات بين الرجلين في المرحلة الأولى من حياتهما:

بوذا وبشارته

جاء في كتاب بوذا الأكبر، ما ترجمته: كانت الملكة مايانا ترتعش وهي تحكي لزوجها الملك سودهوادانا قصة الحلم الغريب، الذي رأته في ليلة من ليالي صيف 568 قبل الميلاد. ففيما هي مستلقية على الفراش إذا بأربعة من الملائكة بثياب بيض يتقدمون منها، ويحملونها بكل محتويات حجرة نومها ويطيرون بها إلى أعلى قمة في جبال الهمالايا، حيث تقوم شجرة باسقة ويضعونها تحت ظلها - ولا تكاد الملكة تطل حولها، حتى تقترب منها أربع ملكات يدخلنها الحمام ويلبسنها ثياباً جميلة ويدهنها بعطور رائعة الرائحة. ثم يحملنها إلى منزل آخر مصنوع كله من الفضة. وتضعها الملكات على فراش آخر مقدس - وهناك يهبط فيل أبيض من فوق جبل ذهبي ويتقدم منها وفي خرطومه غصن من نبات البشنين ويدور الفيل حول الفراش ثلاث دورات. ثم يمس جانب الملكة الأيمن ويدخل في رحمها...

لم تكد الملكة تنتهي من قصة الحلم حتى أرسل الملك يدعو أربعة وستين حكيماً من حكماء بلاده - فجاء هؤلاء الحكماء إلى قصر الملك واستمعوا إلى قصة حلم الملكة. فقالوا للملك: لا يشغلن شيء بالك أيها الملك، ولكن أبشر فالملكة حملت بغلام، سيصبح ملكاً على كل البلاد، لو هو استقر في قصره. وإن هو غادر داره هائماً على وجهه، فعندئذ سيصبح هو بوذا كاشف نقاب الجهل عن وجه العالم.

وبعد أيام قصيرة تحقق ما قاله الحكماء، وأحست الملكة بحقيقة الحمل. وكان هناك شيء عجيب، فقد كان الجنين يبدو واضحاً وهو جالس القرفصاء في رحم أمه. وظل على هذه الصورة حتى اقترب موعد الوضع، فطلبت الملكة مايانا من الملك أن تسافر إلى أهلها لتضع مولودها هناك. وإذ هي في الطريق شعرت بالمخاض وهي تحت شجرة سال، في بستان توبيني.

وتحت الشجرة الوارفة الظلال جلست القرفصاء بعد أن حجبها الخدام عن الأنظار بستار خاص. ولما أرادت النهوض مدت يدها إلى غصن الشجرة فانحنى من تلقائه حتى قارب كفها.

ولم تكد تنهض حتى كان تحتها طفل تلقفته أيدي أربعة من البراهمة في شبكة خيوطها من أسلاك الذهب.

ووقف المولود فجأة، وتقدم إلى الأمام سبع خطوات ثم صاح في صوت عذب: أنا سيد هذا العالم، وهذه الحياة هي آخر حياة لي.

وانطلقت أنباء مولد الأمير العظيم لتعم كل مملكة الساكية. ومن كل مكان جاءت الأفواج لتهنئة الملك.

حياة مترفة

عاش الأمير حياة مترفة في قرب أبيه، وقد وصفها هو نفسه، حين قال في أحد كتبه:

لقد كنت مترفاً كل الترف، لقد حضرت في قصر أبي البرك المغطاة بالبشنين، غطيت واحدة بالبشنين الأزرق، والثانية بالبشنين الأحمر، والثالثة بالبشنين الأبيض. وكلها حفرت لمتعتي وإسعادي.

وقد كان لي ثلاثة قصور واحد منها لفصل الشتاء، والثاني لفصل الصيف، والثالث للفصل المطير. وكنت أقضي في القصر المخصص للفصل المطير أربعة أشهر، تحف بي فيها القيان والجواري، فلا أغادره حتى تأتي أشهر الصيف.

قرر الأب الملك أن يشغل ابنه بحياة زوجية رائعة ويحيطه بمئات الحسان. ووقع اختيار الأمير على الأميرة يوسودهار ابنة عمه ملك كولي لتكون زوجته وهي فتاة رائعة الحسن بالغة الجمال.

وخلال حقبة من الزمن عاش الأمير وزوجته حياة سعيدة.

المسيح وبشارته

«وَفِي ٱلشَّهْرِ ٱلسَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ ٱلْمَلاَكُ مِنَ ٱللّٰهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ ٱسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ ٱسْمُهُ يُوسُفُ. وَٱسْمُ ٱلْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا ٱلْمَلاَكُ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ. فَلَمَّا رَأَتْهُ ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ ٱلتَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلاَكُ: لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللّٰهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ فَأَجَابَ ٱلْمَلاَكُ: اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضاً ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللّٰهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِٱبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهٰذَا هُوَ ٱلشَّهْرُ ٱلسَّادِسُ لِتِلْكَ ٱلْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى ٱللّٰهِ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ: هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لوقا 1: 26 - 38).

«لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلٰكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ٱبْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، لأَنَّ ٱلَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ. وَهٰذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ ٱلرَّبِّ بِٱلنَّبِيِّ: هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا)» (متّى 1: 18 - 23).

«وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ ٱلْمَسْكُونَةِ. وَهٰذَا ٱلٱكْتِتَابُ ٱلأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. فَذَهَبَ ٱلْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضاً مِنَ ٱلْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ ٱلنَّاصِرَةِ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ ٱلَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتِهِ ٱلْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي ٱلْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي ٱلْمَنْزِلِ. وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ ٱللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً. فَقَالَ لَهُمُ ٱلْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ. وَهٰذِهِ لَكُمُ ٱلْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطاً مُضْجَعاً فِي مِذْوَدٍ. وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ ٱلْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ ٱللّٰهَ وَقَائِلِينَ: ٱلْمَجْدُ لِلّٰهِ فِي ٱلأَعَالِي، وَعَلَى ٱلأَرْضِ ٱلسَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ. وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، قَالَ ٱلرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لِنَذْهَبِ ٱلآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هٰذَا ٱلأَمْرَ ٱلْوَاقِعَ ٱلَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ ٱلرَّبُّ. فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَٱلطِّفْلَ مُضْجَعاً فِي ٱلْمِذْوَدِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هٰذَا ٱلصَّبِيِّ. وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ ٱلرُّعَاةِ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. ثُمَّ رَجَعَ ٱلرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ».

« وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا ٱلصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ ٱلْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي ٱلْبَطْنِ. وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوساً لِلرَّبِّ. وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ، زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ» (لوقا 2: 1 - 24).

يتبين لنا مما تقدم أن قولك عن وجود توافق بين ما يقوله البوذيون وما يزعمه المسيحيون من ناحية المولد، قول لا يمت إلى الحقيقة بأية صلة. وإن كلمة «يزعمه المسيحيون» التي يجترها قلمك في رأس كل موضوع تدل على أنك تعتّم على قداسة المسيح، خلافاً لإعلانات القرآن عن أمجاد يسوع «كإقامة الأموات وإبراء الأكمه والأبرص والوجاهة والقرب من الله...».

أ - البشارة: فأم بوذا ملكة نقلها أربعة من الملائكة إلى جبال الهمالايا حيث جاء فيل أبيض وأدخل.. في رحمها فحبلت ببوذا.

أما أم يسوع العذراء الفقيرة فقد جاء ملاك الرب نفسه وبشرها بأنها ستحبل من الروح القدس وتلد ابناً وتسميه يسوع.

ب - إنّ أم بوذا الملكة حين وضعت طفلها كان حولها عشرات من الخدم الذين أقاموا حولها ستاراً، وحين نهضت تلقفت طفلها أيدي أربعة من البراهمة في شبكة نسجت بأسلاك من ذهب.

أما أم يسوع العذراء، إذ لم يكن لها مكان في الفندق ببيت لحم وضعت وليدها في كهف يستعمل مربطاً للماشية دون مساعدة قابلة، وقمطته وأضجعته في المذود.

ج - لما ولد بوذا جاءت أفواج من العظماء لتقديم التهاني.

أما يسوع فلما ولد كان أهل الأرض نياماً ما عدا نفر من الرعاة الذين إذ سمعوا من ملاك الرب خبر ولادة مخلص العالم الحقيقي جاءوا وشاهدوه في المذود.

د - إن والد بوذا، الملك أمر بأن يقدم المزيد من القرابين للآلهة.

أما يسوع فحين أُصعد إلى الهيكل قدمت أمه فرخي حمام، كما هو منصوص في ناموس موسى عن قرابين الفقراء.

لقد عاش بوذا في القصور المنيفة بين القيان ومئات الجواري الحسان.

أما يسوع فعاش حياة الفاقة كعامل نجار. ولما بدأ خدمته سأله أحد الكتبة وقال له: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (لوقا 9: 57 و58).

- الرد على قولك إن قول النصارى «عيسى ابن الله» كفر صريح:

نظرة الإسلام إلى هذا الموضوع:

جاء في القرآن: «بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (سورة الأنعام 6: 101).

وقد علق البيضاوي على هذه الآية بقوله: إن المعقول من الولد هو ما تولَّد من ذكر وأنثى، متجانسين، والله تعالى منزه عن التجانس.

هذه هي نظرية الإسلام في استحالة الولد إلى الله فإنه لا صاحبة له، ولا يمكن أن تكون له صاحبة. وهذا هو سر استنكار أبوة الله للمسيح. لأنه لا بنوة في الفكر القرآني إلا البنوة التناسلية الجسدية.

ويؤيد هذا الفكر ما جاء في كتاب جامع البيان للإمام الطبري. إذ يقول: عن ابن وهب، عن أبي زيد أنه قال: الولد إنما يكون من الذكر والأنثى ولا ينبغي أن يكون لله سبحانه صاحبة، فيكون له ولد. وذلك لأنه هو الذي خلق كل شيء. فإن كان لا شيء إلا الله خلقه، فأنَّى يكون له ولد؟

ويرجح ثقات الباحثين أن الآية نزلت في حق بعض أهل البدع من أصل وثني كانوا قد التصقوا بالكنيسة.

وقد كانت لهم محاولات ليدخلوا بدعة مفادها أن مريم العذراء إلهة. وهدفهم أن يستعيضوا بها عن الزهرة التي كانوا يعبدونها، وقد أشار إليهم العلامة الكبير أحمد المقريزي في كتابه «القول الإبريزي» (صفحة 26). وذكرهم ابن حزم في كتابه «الملل والأهواء والنحل» (صفحة 48). ومن البديهي أن يشجب القرآن بدعة كهذه، لأنها بعيدة كل البعد عن المسيحية.

لا بد لمطالع القرآن أن يلاحظ أن كتاب المسلمين يشير إشارات مهمة وجلية إلى عظمة المسيح وتفوقه على سائر الأنبياء. ولكنه يقصر عن إزاحة الستار عن كماله المجيد وجلاله البهي. وكأني بالقرآن يأتي بالباحث عن حقيقة المسيح إلى الساحة الخارجية، ولكن يده تقصر عن فتح الباب «لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ» (2 كورنثوس 4: 4).

في الواقع أن وجود المسيح الأزلي بصفته ابن الله وتواضعه العجيب وتنازله حتى صار ابن الإنسان لأجل الفداء، هو أساس تعزية جميع المؤمنين به.

والقرآن ينكر بنوية المسيح الأزلية ويقول عنه إن مثله كمثل آدم خلقه الله من تراب (سورة آل عمران 3: 59) وتؤكد لنا لقاءاتنا مع المسلمين أن لا شيء يثير تأففهم من الديانة المسيحية مثل القول: إن المسيح ابن الله.

ويقول بعض المسلمين المتزمتين إن المسيحيين يقولون بتعدد الآلهة، ويتوهم أنهم يعتقدون الشرك. هذا قول جاهل متكبر أوجده الشيطان لمنع المسلمين من قراءة الكتب المقدسة.

ولو سألنا أبسط مسيحي من هو الله؟ لأجاب فوراً أن الله روح غير محدود، سرمدي غير متغير في وجوده وحكمته وقدرته وقداسته وعدله وحبه وحقه. وأنه لا يتجزأ ولا ينقسم ولا يتعدد ولا تحيط به الأكوان. ويعجز عن إدراك ذاته وصفاته كل مخلوق وإنسان.

وكمن «نظر إلى يسوع واستنار ووجهه لم يخجل» أهيب بك أن لا تفهم من لفظتي «آب وابن» معنى الولادة التناسلية الكثيفة التي توجب تقدم الآب على الابن في الوجود، وأن الابن جاء من زرع زارع، فلعمر الحق إن هذا القول لا يقول به مسيحي قط في ربه الإله الواحد الأحد، الذي لم يتخذ صاحبة، ولا ولداً يتولد بالتناسل الحيواني الكثيف. لكن الابن الذي هو الكلمة الأزلي، تجسد إنساناً كاملاً بالروح القدس في أحشاء مريم، بلا انفصال عن لاهوت الذات الأحدية. فالمسيح من حيث هو ابن مريم له جسد زمني. أما من حيث هو كلمة الله، فهو قديم أزلي فعل المعجزات بقوة الطبيعة الإلهية.

والغريب أنه مع ما قاله القرآن والحديث فهما يشهدان للمسيح بسموِّه وعصمته من الخطأ وقدرته على صنع المعجزات، فإن المسلمين لا يفرقون بينه وبين سائر الأنبياء بالنظر لطبيعته، بل نجدهم ينكرون حتماً وجوده الأزلي، فإن الأحاديث مشحونة بالأخبار عن وجود نور محمد قبل تكوين العالمين (انظر كتاب إنسان العيون لبرهان الدين الحلبي) وإنه لأمر يحار فيه العقل أن ينسب الإسلام إلى محمد ما لم ينسبه محمد لنفسه من حيث الأزلية ثم ينكرها على يسوع المسيح المثبت له ببراهين لا تُعد.

قال الدكتور زويمر في كتابه «المسيح كما يراه المسلمون»: «لو قرأت مؤلفات مسلمي مصر والهند وكل العالم الإسلامي لا تجد غرضاً يوجهون إليه نبال انتقاداتهم وسهام اعتراضاتهم إلا لاهوت المسيح وعمله الكفاري لأجل البشر. ففيما يعتقد المسيحي أن يسوع إله وإنسان معاً. وهو نبي وكاهن وملك، يقول المسلم إنه إنسان فقط. ويعترف له بالنبوة لا غير. أما الملكوت والكهنوت فأمران غير مفهومين ولا مقبولين، لأن الإسلام ديانة بدون كهنوت وبدون فكر صحيح عن الكفارة، ولذلك غاب فكر المسلم عن هذا الفكر الأساسي في عمل المسيح».

وقد أشار الدكتور سايوس إلى عدم وجود هذا الفكر عند محمد نفسه بقوله: «وخلاصة القول إن محمداً لم يشعر بخطية ما، ولذلك لم يشعر بحاجته إلى طريق الفداء، وبالتالي فإن جميع أتباعه في كل القرون يعارضون هذا الفكر. وهذا هو السبب أن الدين المسيحي اكتسب من الإسلام أقل من غيره في العالم أجمع. فاعتقاد المسيحيين بالخطية هو حاجز منيع بين المسيحي والمسلم المفكر باعتناقها».

وقال أحد العاملين بين المسلمين وهو مهتد إلى المسيح: «إن السبب الأكبر لقلة نجاح الكرازة بين المسلمين هو اعتقادهم أن رحمة الله بالخاطئ أي عفوه عنه بغير فداء، لا ينافي عدله، فلذا لا يرون لزوماً للفادي».

- أما قولك عن الحجر الذي رفضه البناؤون، فمن ميزات الكتاب المقدس أن أحداً لا يستطيع التفسير إلا بمعونة الروح القدس، الذي يساعد المؤمن لفهم مضمون الكتاب العزيز. وقد أشار رسول الجهاد العظيم بولس إلى ذلك بقوله: « أُمُورُ ٱللّٰهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ ٱللّٰهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، قَارِنِينَ ٱلرُّوحِيَّاتِ بِٱلرُّوحِيَّاتِ» (1 كورنثوس 2: 11 - 13).

فالحجر المرفوض هو يسوع المسيح بدليل قول الإنجيل: «كَانَ فِي ٱلْعَالَمِ، وَكُوِّنَ ٱلْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ ٱلْعَالَمُ. إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 10 - 12).

وقد شهد بولس لهذه الحقيقة التي صاروا إليها بعد اهتدائهم إلى المسيح، إذ قال: «فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ ٱللّٰهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلّزَاوِيَةِ» (أفسس 2: 19 و20).

وجاء في الإنجيل بحسب البشير لوقا: «وَفِي أَحَدِ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ إِذْ كَانَ (يسوع) يُعَلِّمُ ٱلشَّعْبَ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَيُبَشِّرُ، وَقَفَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ مَعَ ٱلشُّيُوخِ، وَقَالُوا لَهُ: قُلْ لَنَا بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هٰذَا، أَوْ مَنْ هُوَ ٱلَّذِي أَعْطَاكَ هٰذَا ٱلسُّلْطَانَ؟ فَأَجَابَ: وَأَنَا أَيْضاً أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، فَقُولُوا لِي: مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا، مِنَ ٱلسَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ ٱلنَّاسِ؟ فَتَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: إِنْ قُلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يَقُولُ: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ ٱلنَّاسِ، فَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ يَرْجُمُونَنَا لأَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِأَنَّ يُوحَنَّا نَبِيٌّ. فَأَجَابُوا أَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هٰذَا».

«وَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لِلشَّعْبِ هٰذَا ٱلْمَثَلَ: إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْماً وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ زَمَاناً طَوِيلاً. وَفِي ٱلْوَقْتِ أَرْسَلَ إِلَى ٱلْكَرَّامِينَ عَبْداً لِكَيْ يُعْطُوهُ مِنْ ثَمَرِ ٱلْكَرْمِ، فَجَلَدَهُ ٱلْكَرَّامُونَ وَأَرْسَلُوهُ فَارِغاً. فَعَادَ وَأَرْسَلَ عَبْداً آخَرَ. فَجَلَدُوا ذٰلِكَ أَيْضاً وَأَهَانُوهُ وَأَرْسَلُوهُ فَارِغاً. ثُمَّ عَادَ فَأَرْسَلَ ثَالِثاً. فَجَرَّحُوا هٰذَا أَيْضاً وَأَخْرَجُوهُ. فَقَالَ صَاحِبُ ٱلْكَرْمِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ أُرْسِلُ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبَ. لَعَلَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ يَهَابُونَ! فَلَمَّا رَآهُ ٱلْكَرَّامُونَ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: هٰذَا هُوَ ٱلْوَارِثُ. هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ لِكَيْ يَصِيرَ لَنَا ٱلْمِيرَاثُ. فَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. فَمَاذَا يَفْعَلُ بِهِمْ صَاحِبُ ٱلْكَرْمِ؟ يَأْتِي وَيُهْلِكُ هٰؤُلاَءِ ٱلْكَرَّامِينَ وَيُعْطِي ٱلْكَرْمَ لآخَرِينَ. فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: حَاشَا! فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: إِذاً مَا هُوَ هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ: ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ. كُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى ذٰلِكَ ٱلْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ؟» (لوقا 20: 1 - 18).

فبيَّن أن هذا الحجر يرمز إلى المسيح وليس إلى محمد. بدليل طلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي على يسوع.

- على قولك: «هوذا ملكوت الله يُنزع منكم».

يخبرنا الإنجيل بحسب متّى أن يسوع جاء إلى الهيكل لتعليم الشعب حسب عادته. ولما جاء تقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب قائلين: بأي سلطان تفعل هذا، ومن أعطاك هذا السلطان؟ فتقدم إليهم بمثل الكرام كما تقدم في لوقا 20 وختم المثل بقوله : «...أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي ٱلْكُتُبِ: ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَه» (متّى 21: 33 - 44).

- قبل أن تقحم نفسك باقتطاع آية من الكتاب المقدس وتستنتج ما يؤيد غرضك، كان يجب أن تعلم أن لهذا المثل الذي ذكره المسيح قرائن أخرى في الكتاب العزيز. فقد جاء في سفر إشعياء النبي: «لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ. كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ، فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ، وَبَنَى بُرْجاً فِي وَسَطِهِ، وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضاً مِعْصَرَةً فَٱنْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً فَصَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً. وَٱلآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا، ٱحْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضاً لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ ٱنْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً صَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً؟ فَٱلآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي. أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. وَأَجْعَلُهُ خَرَاباً لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ، فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي ٱلْغَيْمَ أَنْ لاَ يَمْطُرَ عَلَيْهِ مَطَراً. إِنَّ كَرْمَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَغَرْسَ لَذَّتِهِ رِجَالُ يَهُوذَا» (إشعياء 5: 1 - 7 انظر أيضاً مزمور 80: 4 - 12).

في هذا المثل شاء يسوع أن يقدم لسامعيه وخصوصاً رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب، برهاناً من كتبهم قد أُوحي به إلى أحد عظماء أنبيائهم وهو إشعياء.

وعقَّب المسيح على المثل بقوله: «مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا» (مزمور 118: 23). أي أن هذا الأمر حيّر كل من ينظر لكونه خلاف لما توقعه أكثرية الشعب اليهودي، فلو لم يكن الفداء من حكمة الله ما أمكن أن يحدث. ولا ريب أن كل الحوادث المتعلقة بالفداء هي عجيبة للغاية. وهل أعجب من أن الله يرسل ابنه الوحيد فادياً، وأن الكلمة الأزلي صار جسداً، ورُفض من الأمة المختارة وصُلب؟ وهل أعجب من قيامته من بين الأموات في اليوم الثالث وصيرورته الصخر الذي وُضع عليه أساس الكنيسة؟

ثم ختم المثل بهذا الحكم: «لذلك أقول لكم إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمة تعمل ثماره».

لقد أوضح المسيح بهذه الآية مقصده من ذلك المثل، إذ فسر الكرم بملكوت الله وقال لليهود: إنَّ وسائط النعمة والبركات المختصة بشعب الله تُنزع منهم وتُعطى لكل الذين قبلوا يسوع المسيح مخلصاً وفادياً، من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤيا 5: 10 - 11).

وقد سبق ليسوع أن أنذر اليهود بقوله «وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو ٱلْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (متّى 8: 11 - 12).

من هو الباراكليتس؟

منذ زمن بعيد، وهذه الكلمة «باراكليتوس» موضوع للنقاش. فقد قال بعضهم إن كلمة باراكليتس أو البرقليطس أو بركليطس اليونانية، تقابلها كلمة «منحمنا» والمنحمنا في اللغة السريانية «محمد». وهذا التفسير رواه ابن هشام في سيرة النبي عن ابن اسحاق. وقد شاع هذا التفسير بين عامة المسلمين. وأنا لا أريد أن أثير جدلاً دينياً حول هذا الموضوع، ولكن بمناسبة الرد على السيد عبد الرحمن عوض من مصر، أرى لزاماً عليّ أن أستعرض العبارات التي تكلم بها الرب يسوع وسجلها يوحنا الإنجيلي في سفره المجيد.

أولاً: يوحنا 14: 16 - 17 قال يسوع: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ ٱلآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى ٱلأَبَدِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ ٱلْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ».

ثانياً: يوحنا 14: 26 : «وَأَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ».

ثالثاً: يوحنا 15: 26 و27: «وَمَتَى جَاءَ ٱلْمُعَزِّي ٱلَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ ٱلآبِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ، ٱلَّذِي مِنْ عِنْدِ ٱلآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ ٱلٱبْتِدَاءِ».

رابعاً: يوحنا 16: 7 : «لٰكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ ٱلْحَقَّ، إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ ٱلْمُعَزِّي، وَلٰكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ».

إنَّ الذي يتأمل في هذه الآيات بالمقارنة مع الآيات الأخرى الواردة في أسفار العهد الجديد الخاصة بشخص وعمل الروح القدس «الباراكليتوس» لا بد أن يلاحظ أنها لا تخدم غرض القائلين بأن كلمة «باراكليتس» تعني محمداً، وذلك للأسباب التالية:

  1. لأن المسيح نفسه فسر كلمة باراكليتس بعدة صفات مميزة:

  2. روح الحق، الروح القدس، الروح المنبثق من عند الآب. وهذه الصفات لا تنطبق على محمد، لأن الباراكليتس روح إلهي والنبي محمد إنسان بشري.

  3. قال المسيح الباراكليتس يمكث مع تلاميذه إلى الأبد ويكون فيهم. ومحمد لم يكن في وسعه أن يمكث معهم ويكون فيهم، لأنه جاء إلى العالم بسبعة قرون ونيف بعد المسيح.

  4. من صفات المعزِّي أن العالم لا يراه ولا يعرفه. وأما النبي محمد فقد رآه أبناء هذا العالم وجالسوه وسمعوه وتكلموا إليه.

  5. إنَّ المعزّي هو رسول المسيح، وهذا الأمر لا يقبله المسلمون في أمر محمد، لأنهم يقولون أن محمداً أعظم من المسيح.

  6. إنَّ المعزِّي يشهد في قلوب المؤمنين به، ويعلن لهم أن يسوع ابن الله (متّى 16: 16 - 17) ومحمد لا يقر بهذه الحقيقة بل يحسبها كفراً (سورة المائدة 5: 17).

  7. وإنَّ المعزِّي يعلم التلاميذ ويرشدهم إلى جميع الحق. ومحمد لم يكن ممكناً أن يعلمهم أو يتصل بهم لأنه جاء إلى الدنيا بعدهم بعدة مئات من السنين.

  8. إنَّ الأوصاف والأعمال الخاصة بالباركليتس لا تنطبق على كائن بشري من لحم ودم تراه الأعين وتلمسه الأيدي، بل هو روح. هذا مع العلم أن مجيء هذا الروح المعزِّي تم فعلاً قبل الدعوة الإسلامية بما يقرب الستماية عام.

  9. جاء في الإنجيل عدد عديد من الألقاب للباراكليتس تؤكد أنه روح إلهي لا إنسان. فقد سُميّ بالمعزِّي، وروح القوة، وقوة الأعالي، والمبكت وروح الله القدوس، والروح الذي يرشد المؤمن في صلواته، والروح القدس.

  10. قبيل انطلاقه إلى السماء أوصى المسيح تلاميذه أن لا يبرحوا أورشليم حتى يتعمدوا بالروح القدس (أعمال 1: 4 - 5). وقد انسكب الروح المبارك على التلاميذ في يوم العنصرة (أعمال 1: 1 - 4).

وهذا الانسكاب تمم النبوة التي جاءت في يوئيل النبي 2: 28 وقد رافق انسكابه عجيبة التكلم بألسنة غريبة، وبيّن أن هذا لا علاقة له برسالة محمد.

بنوة المسيح لله

وأخيراً نردّ على قولك إن المسيح ليس ابن الله كما أنه لم يدَّع الألوهية.

لقد أجمعت آراء الباحثين على أن الطريقة التي أعلن بها يسوع لاهوته للشعب اليهودي تحمل طابع الصدق. والواقع أن مجرَّد التأمل في محتويات العهد الجديد يحملنا على التسليم بصحتها. ويأتي بنا إلى حل معضلة ظهور الإيمان في محيط يهودي شديد التعصب لعقيدة التوحيد المغلق. فهي طريقة تدرج في إعلان هذا السر العظيم، تناسب عقليات السامعين وتنطوي على احتراس مصحوب بحكمة إلهية فائقة.

ويمكننا أن نفهم عقلية المجتمع اليهودي وتعصبه الشديد لعقيدة التوحيد المطلق من التأمل في الرواية الخاصة بمقتل الشهيد استفانوس كما جاءت في سفر أعمال الرسل، حيث نقرأ أن أعضاء المجلس ظلوا صابرين على كلام الشهيد، حتى سمعوه يقول: «أَيُّ ٱلأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ، وَقَدْ قَتَلُوا ٱلَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ ٱلْبَارِّ، ٱلَّذِي أَنْتُمُ ٱلآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ، ٱلَّذِينَ أَخَذْتُمُ ٱلنَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ؟. فَلَمَّا سَمِعُوا هٰذَا حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ (من شدة الغيظ). وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ ٱللّٰهِ، وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. فَقَالَ: هَا أَنَا أَنْظُرُ ٱلسَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ» (أعمال 7: 52 - 58).

لقد حكموا عليه بالموت لأنهم اعتبروا كلامه عن وقوف يسوع عن يمين الله تجديفاً، لأن هذه العبارة معناها اشتراك يسوع مع الآب في مجده.

فلو كان يسوع تكلم عن لاهوته بدون تدرج وبطريقة فجائية مثل هذه، فقال من الأول إنه ابن الله الوحيد المتجسد، والمساوي للآب، والمشترك مع الله في صفاته الإلهية، لما أمكن أن يستمر في مدة خدمته التبشيرية ثلاث سنوات. ولكن طريقته التدريجية، مكنته من تأدية رسالته وإعلان سر تجسده بوصفه المسيا ابن الله مخلص العالم. فإنه تكلم وتصرف بطريقة تشير إلى حقيقة شخصه، وتنبه أذهان السامعين، وتلفتهم إلى ألوهيته. في ما يلي أهم نصوص الإنجيل الخاصة بذلك:

أولاً - إنّ التأمل في العظة على الجبل، يدلنا على أنه علَّم بسلطان لا يناسب غير المشترع الإلهي رب إسرائيل كقوله: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ» (متّى 5: 21 - 22).

«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (متّى 5: 27 - 28).

«أَيْضاً سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا ٱلْبَتَّةَ» (متّى 5: 33 - 34).

«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ ٱلأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ ٱلآخَرَ أَيْضاً» (متّى 5: 38 - 39).

«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (متّى 5: 43 - 44).

فمن هو ذلك الذي له السلطان أن يقول «وأما أنا» وأن يزيد على الناموس الإلهي، الذي تسلمه موسى من الرب في سيناء؟

قال يسوع في لوقا 6: 22 «طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ ٱلنَّاسُ، وَإِذَا أَفْرَزُوكُمْ وَعَيَّرُوكُمْ، وَأَخْرَجُوا ٱسْمَكُمْ كَشِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ». قابلها بقوله: «طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ ٱلْبِرِّ» (متّى 5: 10). فالبر في عرف سامعيه هو ناموس الرب أو الرب نفسه. إذا يكون يسوع بهذا الإعلان، قد جعل نفسه مساوياً للرب الإله.

وليس هذا وحسب، بل أن يسوع طلب المحبة الكاملة والتسليم التام لشخصه، إذ قال: «مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ٱبْناً أَوِ ٱبْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي» (متّى 10: 37 - 38).

إنَّ الكلام بهذه الطريقة، يذكر سامعيه اليهود بما جاء في التوراة لتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك، فيسوع بطلبه المحبة الكاملة لشخصه جعل نفسه مساوياً للرب إله إسرائيل، الذي له وحده يحق هذا التكريس. وقد أكد هذا الحق بقوله: «لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلٱبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ ٱلٱبْنَ لاَ يُكْرِمُ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ» (يوحنا 5: 23). أي أن المشيئة الإلهية تطلب من الناس أن يكون إكرام الابن مساوياً لإكرام الآب. وينتج من ذلك أن الابن مساوٍ للآب، وأنه يجب أن نقدم للابن ما نقدمه للآب من المحبة والإكرام والطاعة وكذلك يفعل سكان السماء (رؤيا 5: 12).

ثم علّمَ أنه سيكون ديان الأحياء والأموات في اليوم الأخير، إذ قال: «فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ» (متّى 24: 31). ومن يستطيع أن يقول شيئاً كهذا إلا أن يكون الرب نفسه؟

ثانياً - إنَّ التأمل في المعجزات التي صنعها يسوع، يُظهر أنه صنعها باسمه وبسلطانه الخاص. صحيح أنَّ أنبياء الله صنعوا معجزات مشابهة ولكنهم صنعوها باسم الرب. أما يسوع فقد صنعها بإرادته وقوته الخاصة. فإننا نقرأ عن الرجل الأبرص الذي أتى إليه طالباً الشفاء قائلاً: «إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي. فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: أُرِيدُ فَٱطْهُرْ. وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ» (متّى 8: 2 - 3).

ثم أنه لما سكّن البحر الهائج، لم يقل أنا آمرك باسم الرب بل انتهره بسلطانه قائلاً له: اسكت (مرقس 4: 39).

وأيضاً لما أقام ابن أرملة نايين من الموت: «تَقَدَّمَ وَلَمَسَ ٱلنَّعْشَ، فَوَقَفَ ٱلْحَامِلُونَ. فَقَالَ: أَيُّهَا ٱلشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ. فَجَلَسَ ٱلْمَيْتُ وَٱبْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ» (لوقا 7: 14 - 15).

ولم يكتف يسوع بتطهير البرص وإقامة الموتى، بل أظهر أن له سلطاناً أن يغفر الخطايا، ويخبرنا مرقس الإنجيلي أن يسوع: «دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ، فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ. وَلِلْوَقْتِ ٱجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلاَ مَا حَوْلَ ٱلْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِٱلْكَلِمَةِ. وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْجَمْعِ، كَشَفُوا ٱلسَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا ٱلسَّرِيرَ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ. وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هٰذَا هٰكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ ٱللّٰهُ وَحْدَهُ؟ فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هٰكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهٰذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ؟ وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا - قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ. فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ ٱلسَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ ٱلْكُلِّ» (مرقس 2: 1 - 12).

وإذا تأملنا في قصة المرأة الخاطئة، التي غفر لها يسوع خطاياها وهي في بيت سمعان الفريسي، نرى قصد يسوع في إظهار سلطانه على غفران الخطايا، إذ قال لمضيفه: «يَا سِمْعَانُ عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ. فَقَالَ: قُلْ يَا مُعَلِّمُ. كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى ٱلْوَاحِدِ خَمْسُ مِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى ٱلآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعاً. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبّاً لَهُ؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ: أَظُنُّ ٱلَّذِي سَامَحَهُ بِٱلأَكْثَرِ. فَقَالَ لَهُ: بِٱلصَّوَابِ حَكَمْتَ. ثُمَّ ٱلْتَفَتَ إِلَى ٱلْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: أَتَنْظُرُ هٰذِهِ ٱلْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِٱلدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِٱلطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا ٱلْكَثِيرَةُ لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيراً. وَٱلَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً. ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ. فَٱبْتَدَأَ ٱلْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: مَنْ هٰذَا ٱلَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضاً؟. فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (لوقا 7: 40 - 50).

نلاحظ في هذه الحادثة أنّ يسوع لم يقل للمرأة الخاطئة أنها حصلت على غفران خطاياها نتيجة لتوبتها، بل قال: «لأنها أحبت كثيراً» أي أنها أحبت شخصه، وهذا يعني أن محبة يسوع تعادل محبة الله نفسه.

ثم إننا نقرأ أن يسوع لما أرسل تلاميذه للمرة الأولى، أرسلهم باسمه وأعطاهم السلطان أن يشفوا المرضى، ويخرجوا الشياطين. (اقرأ متّى 10: 1 - 7 ومرقس 3: 15 - 19 ولوقا 9: 1 - 3).

ثالثاً - إنه تكلم عن نفسه باصطلاح خاص في علاقته مع الآب السماوي فإنه وصف الله بأنه أبو شعبه، وأعلن أبوة الله للبشر. ولم يكن في هذا مبتكراً، لأن أنبياء العهد القديم، سبقوا أن وصفوا أبوة الله لشعبه وأتقيائه، هكذا نقرأ في إشعياء: «أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ ٱلأَبَدِ ٱسْمُكَ» (إشعياء 63: 16). وشواهد أخرى كثيرة في أقوال موسى وهوشع وإشعياء وغيرهم. ولكن يسوع المسيح وصف أبوة الله له بأنها فريدة، تختلف عن أبوة الله للبشر. فإنه كثيراً ما تكلم عن الله بلفظة أبي. ولكن لم ترد العبارة «أبانا» إلا في الصلاة الربانية.

وأوضح الإعلانات لعلاقة يسوع بالآب السماوي ما جاء في عبارته المشهورة عندما تهلل وقال: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلآبُ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هٰذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ... وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلٱبْنَ إِلاَّ ٱلآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلآبَ إِلاَّ ٱلٱبْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلٱبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متّى 11: 25 - 28). ففي هذه العبارات المجيدة نسمع صدى صوت الأبدية وندرك عظمة هذا السر العجيب إذ نرى أن يسوع قصر معرفة الآب على نفسه فقط، وقصر معرفة الابن على الله فقط، وهذه العلاقة المتبادلة تدل على المساواة.

يأتي بعد ذلك حادث آخر، أراد يسوع أن ينبه اليهود إلى علاقته الفريدة بالآب، وهو سؤاله الفريسيين: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي ٱلْمَسِيحِ؟ ٱبْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ٱبْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِٱلرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟» (متّى 22: 41 - 45).

وأخيراً نراه واقفاً أمام قيافا رئيس الكهنة، قبل صدور الحكم عليه. وقد قال له الرئيس: «أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ» (متّى 26: 63 - 64).

ففي هذا الجواب نراه يشير إلى نبوة دانيال الخاصة بالمسيا إذ يقول: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى ٱللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ» (دانيال 7: 13 - 14).

الخلاصة

إذا تأملنا في هذه الحقائق، نجد أنفسنا أمام شخص لم يظهر مثله في تاريخ البشرية. إنَّ صورته المرسومة لتأخذ بمجامع القلوب وتلزم السجود له، فإننا نجد لاهوته مرتبطاً بجميع أطوار حياته، ومرتبطاً بأقواله وأعماله ومعجزاته وحياته وموته على الصليب وقيامته وصعوده. تلك هي الحقائق التي ألزمت رجال العهد الجديد، الذين رضعوا لبن التوحيد منذ حداثتهم، على الإيمان بلاهوته. فإذا قبلنا هذه الحقائق يمكننا العثور على معضلة المسيحية. وإذ لم نقبلها نترك منشأ المسيحية معلقاً في الهواء. ونجد أنفسنا ملزمين بأن نعتقد بأن الكنيسة الأولى قد لفقت هذا التاريخ، وأن هذه الحوادث أتت من خيال جماعة من الجليليين البسطاء. ولكن أي عقل، يمكن أن يصدق أن أناساً من العاملين الجهلاء أمكنهم أن يرسموا هذا الشخص الإلهي البديع من مخيلاتهم. وأمكنهم أن يتخيلوا عصمته من الخطية، وهم الضعفاء المحاطون بالخطية. وأن يتخيلوا لاهوته وهم الذين يجري في عروقهم دم التوحيد، وأن يتصوروا تعدد الطرق والأساليب وتنوع الظروف والمناسبات التي أعلن بها لاهوته. وأمكنهم أن يتصوروا الضعف مع القوة والمجد المقنع مع الاتضاع.

تلك هي معضلة المسيحية، وهذا هو حلها كما ورد في العهد الجديد. ونحن نقبل هذا الحل، لأنه لا يوجد حل آخر يحل محله. لذلك نحن أيضاً نؤمن ولذلك نحن نتكلم.

المسيح كلمة الله

إنَّ تلقيب المسيح «بكلمة الله» يدل على أن محمداً أخذ هذا اللقب من شفاه المسيحيين الذين كانت له عشرة معهم لأنها ألقاب مسيحية محضة.

وقد أجاد الدكتور تسدل بقوله في كتابه ميزان الحق: «إنَّ الكلمة تدل على تعبير ما في عمل المتكلم، وهو في هذه الحالة يكون الله نفسه. وعليه إذا كان المسيح كلمة من الله فما هو إلا تعبير إرادة الله. وحيث أن الله بنفسه يدعوه كلمة فهو تعبير إرادة الله الكامل، أو بعبارة أخرى استعلان الله وبواسطته تكلم عند إرساله لهم روحه القدوس. فكلمة الله إذا تُبيِّن أنَّ المسيح هو الوحيد الذي يعلن الله للناس، إذ هو يعرف الله ويعلن إرادته تماماً. والمسيح نفسه أعلن هذه الحقيقة إذ يقول: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلٱبْنَ إِلاَّ ٱلآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلآبَ إِلاَّ ٱلٱبْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلٱبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متّى 11: 27، 28).

وفي ختام هذا البحث ألفت انتباهك إلى الآية 91 من سورة الأنبياء 21 القائلة: «وَٱلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ». فاستعمال كلمة «آية» بالمفرد على حين أن الكلام على الاثنين يذكرنا بما ورد عن مخلصنا في نبوة إشعياء، إذ يقول: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (إشعياء 9: 6). وقد اجتهد البيضاوي أن يقلل من أهمية هذا القول بما وسعت حيلته من التأويل، إذ قال: «آية للعالمين، فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى».

حياة المسيح وموته ورفعه

تعترضنا ثلاث صعوبات في ذكر ما جاء في القرآن عن حياة يسوع المسيح.

الأولى تجزؤ القرآن، أي عدم اتصال أخباره وتسلسلها، فلا تجد فيه ترتيباً تاريخياً ولا تسلسلاً منطقياً، لأن آياته نزلت حسب قول المسلمين في أوقات متقطعة وأماكن مختلفة، هذا علاوة على التشويش العام الذي يصادفه القارئ الراغب في أن يتتبع أمراً من بدايته إلى نهايته. فتجد الشرائع ممزوجة بالقصص والأخبار، والوعد والوعيد.

الصعوبة الثانية، والأكثر تعقيداً هي أن أقوال القرآن عن الرب يسوع المسيح لا تخلو من التناقض مثل بعض تعاليمه. فبعض الآيات تتكلم عنه كمجرد إنسان ونبي. بينما بعضها الآخر يطلق عليه ألقاباً لا يلقب بها إنسان آخر في الوجود. وأكبر مناقضة هي ما جاء عن موته، فإنه لا يمكن التوفيق بين تلك الآيات إلا تعسفاً.

والصعوبة الثالثة، هي الترتيب التاريخي للسور فإذا تتبعنا نشوء الفكر وتقدمه عند محمد عن المسيح وجب أن نبدأ بأول ذكر جاء عنه حسب الترتيب التاريخي ثم نسير فيه تدريجياً «وكرونولوجياً» (أي بترتيب زمني) حتى نصل إلى آخر سورة، ولكن للأسف لا يوجد اتفاق بين علماء الإسلام أنفسهم على الترتيب التاريخي للسور القرآنية، ويقرّون أن ترتيبها الحالي ليس تاريخياً.

ماذا قال بولس؟

- أما عن قولك إنَّ الخطية التي قالت بها المسيحية، فما هي إلا صدى للوثنية التي تلونت بها المسيحية، كما أعلن بولس، حتى يتخذ منه كل قوم حالاً. فصار لليهودي كاليهودي وللوثني كوثني.. الخ.

قبل اهتدائه كان بولس يهودياً متعصباً، وكان اسمه شاول. وقد اشتهر بالغيرة لناموس موسى، إذ نجده يصف نفسه بالقول: «إِنْ ظَنَّ وَاحِدٌ آخَرُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى ٱلْجَسَدِ فَأَنَا بِٱلأَوْلَى. مِنْ جِهَةِ ٱلْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ ٱلنَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. مِنْ جِهَةِ ٱلْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ ٱلْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ. لٰكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحاً فَهٰذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضاً خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ ٱلْمَسِيحَ» (فيلبي 3: 4 - 8).

ويخبرنا مؤلفو تاريخه أن أباه كان فريسياً وقد رُبِّي على الناموس الضيق.

ولما أتم بولس ما يمكن تحصيله في بلده طرسوس، ذهب في حداثته إلى أورشليم ليدرس الشريعة اليهودية والعلوم الدينية. وقد تثقف دينياً عند رجلي الرباني غمالائيل المشهور في ذلك العصر. وقبل أن يظهر له يسوع المسيح، بذل طاقته في اضطهاد المسيحيين. والذي أغاظه بالأكثر ما قاله الشهيد استفانونس قبل رجمه: إنَّ يسوع الناصري سينقض هذا الموضع ويغيِّر العوائد التي سلمها موسى لشعبه. ونظراً لغيرته أُعطي سلطاناً من رؤساء اليهود لإهلاك المسيحيين في دمشق.

ولكن فيما هو سائر إلى تلك المدينة، ظهر له الرب يسوع وتكلم إليه، فآمن به. وقد روى كيفية اهتدائه أمام أغريباس الملك فقال:

«وَلَمَّا كُنْتُ ذَاهِباً فِي ذٰلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ، رَأَيْتُ فِي نِصْفِ ٱلنَّهَارِ فِي ٱلطَّرِيقِ، أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ، نُوراً مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ ٱلشَّمْسِ قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي وَحَوْلَ ٱلذَّاهِبِينَ مَعِي. فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى ٱلأَرْضِ، سَمِعْتُ صَوْتاً يُكَلِّمُنِي بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ: شَاوُلُ شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. وَلٰكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهٰذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَمِنَ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ أَنَا ٱلآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِٱلإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال 26: 12 - 18).

أما عن قول الرسول الكريم: فصرت لليهودي كيهودي.. الخ. فيبدو أنك لم تحسن قراءته، وتبعاً لذلك لم تحسن فهمه. أو لعلك عمدت إلى التعتيم عليه، وذلك بتجريد الآية من قرائنها.

لقد سبق أن قلنا إن الرسول بولس تربى دينياً عند قدمي الرباني غمالائيل. ففي مدرسة هذا العالِم الشهير تثقف في السُنن اليهودية ورسومها في كل ما لا ينافي حكم ضميره، فأبى أن يغيظ اليهود لغير اضطرار لتتاح له الفرصة، لكي يؤكد أن يسوع هو المسيح المنتظر. وفوق كل اعتبار كان ينبغي أن يبين أن المسيحية لم تأت لهدم الناموس بل لتكميله.

لقد كان عبرانياً بالمولد، كما رأينا. وبغير هذا لم يكن في وسعه أن يؤثر على اليهود، أو يسمح له بالدخول إلى مجامعهم للكرازة بالإنجيل.

أما من جهة الأمم فيخبرنا سفر أعمال الرسل أن الكنائس المسيحية الأولى وخصوصاً في اليهودية كانت تمارس عبادتها بحسب ناموس الوصايا التي رتب موسى بعضها، وزاد عليها المعلمون والربيون في الأجيال المتعاقبة الكثير من الممارسات. وكانت هذه الممارسات وعلى رأسها الختان تشكل حاجزاً منيعاً. وخصوصاً الختان. فقد قال أحد الربيين: «لولا هذا الطقس لما وجدت الأرض والسماء». وقال آخر إنه يعادل كل وصايا الناموس. ولكن كنيسة أنطاكية التي عمل فيها بولس وبرنابا سنتين، فتحت باب الإيمان المسيحي لقبول الأمميين الذين قبلوا رسالة الإنجيل، لكن الإخوة من أصل يهودي في كنيسة أورشليم لما سمعوا هذه الأنباء، لم يستريحوا وحدثت مناقشات حامية فعقدت كنيسة أورشليم مؤتمراً لبحث الموضوع، فأخبرهم بولس وبرنابا ما صنعه الله معهما خلال رحلاتهما التبشيرية من عجائب في قبول الإنجيل الذي بشرا الأمم به ابتداء من قبرص إلى آسيا الصغرى. وبعد سماع هذه الأخبار السارة عن إقبال ألوف الأمميين على اعتناق الديانة المسيحية، قام بطرس وذكّر الحاضرين بأن الله بفمه اختار أن يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنوا.

وأخيراً قام الرسول يعقوب الذي ترأس المؤتمر ولخص كل المناقشة وخرج منها بأربع نقاط، وهي أن يمتنع المسيحيون من أصل أممي عن نجاسات الأصنام والزنى والمخنوق والدم.

ويخبرنا مؤرخو الكنيسة أن بولس كان يتعامل مع الأمم بوداعة وتواضع، بعيداً عن غطرسة اليهود. وعامل المؤمنين منهم بمحبة المسيح، وأشرك بعضهم معه في العمل التبشيري، وأقام بعضاً آخر قسوساً على الكنائس. وهذا يفسر قوله صرت: «لِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ» وهو يعني أنه لم يتبع شريعة اليهود الرمزية وهو بين الأمم، بل كان تحت ناموس المسيح (1 كورنثوس 9: 20 - 22).

كلمة أخيرة

جاء في الصفحة الثانية من رسالتك: «هذه رسالة إلى من أراد الهداية»، ولكنك شحنت الصفحات الأخرى بأقوال أقرب إلى السباب منها إلى «الدعوة إلى كلمة سواء» وكان في وسعنا أن نرد الصاع صاعين، لأن الإسلام فيه تعثرات كثيرة جداً، ولكننا لم نفعل، لأن روح المسيح قد طهر أفكارنا وبالتالي أقلامنا، ولأن المسيح أعطانا هذه الوصية: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ» (متى 5: 44). وبالفعل نحن نصلي لأجلك حتى الرب الذي نعبده بالروح والحق يعطيك بصيرة لتعرف الحق، فيحررك من روح التعصب.

مسابقة كتاب امتحنوا كل شيء، تمسكوا بالحسن

عزيزي القارئ،

إن رسالة الكاتب، كما يشير عنوان الكتاب، هي دعوة للفحص والاختبار. فامتحن معلوماتك بعد قراءة الكتاب بتمعن وأجب عن الأسئلة التالية وذلك بنسخ الأسئلة ونقلها على استمارة الاتصال في الموقع، وكتابة الإجابة أسفل كل سؤال.

  1. ما هي الآلة الصالحة للفحص والامتحان؟

  2. ما هي خلاصة الآيات 22 - 24 من 1 كورنثوس 1؟

  3. من أجل ماذا؟ ومن أجل من مات المسيح؟

  4. ما هو مضمون شهادات الأنبياء، الذين سبقوا مجيء المسيح، عنه؟

  5. هل صرح المسيح بموته وصلبه؟ أعط مثلاً واحداً.

  6. أذكر بعض الأحداث التي رافقت قيامة المسيح.

  7. ما هو شعار المسيحية الرئيسي منذ ظهورها؟

  8. أذكر آية قرآنية تشير إلى موت المسيح أو قتله.

  9. لخص تفسير الرازي للآية 55 من سورة آل عمران.

  10. ما هي في رأيك أهم آية في عظة المسيح على الجبل؟

  11. أي الأديان القائمة يدعو للحرب والقتال وأيها يدعو للسلم والمحبة؟

  12. هل يصح الحكم على الدين من سلوك أتباعه أم من تشريعه وأحكامه؟

  13. في رأيك هل الغزوات الإسلامية الأولى كانت وسيلة أم تشريعاً؟

  14. ما تعريفك للخطية؟

  15. اشرح معنى الآيات في رومية 5: 18 و19 20.

  16. ما هي أجرة الخطية؟

  17. كيف ننجو من الهلاك الذي جرّته علينا الخطية؟

  18. هل تدعو المسيحية إلى البر والصلاح والقداسة أم إلى الوثنية وعبادة الأصنام؟

  19. لخص حياة يسوع المسيح في جملتين مفيدتين.

  20. كيف ندفع تهمة الكفر والشرك عن المسيحية؟

  21. بيّن الفرق بين تعليم القرآن وتعليم الإنجيل عن شخصية الروح القدس.

  22. أعط أمثلة عن بنوة يسوع الإلهية لله.

  23. ما الذي تتعلمه من حياة بولس واهتدائه وتبشيره؟

الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:

www.the-good-way.com/ar/contact

او يمكنك ارسال رسالة عادية الى:


The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland